الطيبة الزائد ضعف وامتهان . وقد لا تجعلك ترى الاشياء بوضوح خاصة اذا كانت تنطبق على اقاربك هذا المقولة " الاقارب عقارب" . ادركت سمهم مؤخرا ، وان ابتسامتهم حين اكون بقربهم ما هي إلا ابتسامة قاتلة بها طعم من سم الافاعي ، او انهم على شاكلة الحرباء التي تتلون في اليوم اكثر من لوان حسب الحاجة والاحتياج ، كأن بوجههم اقنعة ، لكل قناع وقت وزمان معين .
اصبح العم محمود يتردد كثيرا الى البيت ، كثيرة الحجة والسؤال عن الاهل ، لم يكن احد من الاهل يدرك حقيقة هذا العجوز الخبيث وأن عيناه على مكان اخر ، يبث سمومه ، ينشر مغرياته كلما تسنح له الفرصة . بدا يكلمها بكل جراءة ، وانه معجب بها ، ومستعد ليتقدم لها رسميا ، ويطلبها من والدها ، وانه خلال ثلاثة اشهر سيأخذها الى السويد ، وهناك ستحيى كملكة تأمر وتطاع ، وستتحقق جميع احلامها ورغباتها ، بادلته برفضً تمام ، وانه بمحل والدها ، كيف لا وفارق العمر بينهما يزيد عن خمسين سنة . في الليلة التالية وبينما كنت مستلقي على حضنها ، وعلامة الغضب واضحة على وجهها ، سالت ما الذي يحجب ضوء القمر عني ، كيف للبدر ان يخسف في حضرتي ويضيع ضوءه بين السحب المتراكمة فوق بعضها البعض . لم اكن حينها ادرك خبث العجوز ومخططاته ، او بالأحرى لم اتخيل يوما عجوزا طاعن بالسن يحاول اغراء حبيبتي ، بل كنت انظر اليه كعجوز ذبل أوراقه وضعفت همته ، كنت اقارنه بغيره من الكهول.
كهول مدينتي وكيف نظرتهم للحياة ، لا تتعدى سوى ان يموت موتا مرضية وان يتقرب لله بكثرة الطاعات . ربما لمفهوم العجوز في الغربة له طعم وروح اخر ، فقد كان هذا العجوز يجدد شبابه على حساب العذارى ، مستخدم ثروته وجواز سفره ، ثم يرميهم بعد ذلك ، ليبحث عن ضحيته التالية .
لم اكن اعلم ان للجواز الغربي اثر في نفوس النساء ، وان مالكي هذا الجواز مفضلون لدى بنات موطني ، فقد كنت ارى النساء يرتمين على صدروهم ويتساقطن كما تتساقط اوراق الخريف ، ثم تأتي رياح لتأخذ هذا الاوراق بعيدة عن موطنها الاصلي . حينها قالت : لا يروق لي هذا العجوز ، ولا استلطفه ، في كل مرة يأتي للمنزل ويتحجج بالمطالب لكي يراني ، اصبحت اتحاشى نظراته وكلماته التي يرميها امامي قلت : ربما تتعجلين في الحكم عليه ، وربما هذا مجرد اوهام . لم يكن أوهاماً كما اعتقدتٌ ، وإنما احساس المرأة الذي لا يخيب ، فقد كانت تدرك نظراته الشهوانية ، وأسلوبه اللين في تعامله معها ، كي يستدرجها تقع في وحل المطالب ، وتصير كخاتم تستدير على هواه ، ليدنس من بعدها كبريائها ، ويكسر حاجز الصمت المنيع ، ثم تكون كما يريد . ما لم يدركه العجوز ، هو ان تلك المرأة التي امامه ، ليست متجر يرتاده الرجال الأثرياء ليشتروا ما يشتهون ، وأن قلبها معروضا للبيع بمزاد علني يأخذه من يدفع الاكثر .
أو ربما تخيل انها امرأة من جيل الالفية الثانية المعاصرة ، قد توقع على وثيقة مشروع لشراكه زواج مغلوط بمنفعة من الطرفين ، فهي طرفا في معادلة صعبة ، كي تصل لثرا السريع عن طريق رجل ، بات يضع احدى قدميه على القبر ، ويضع قدمه الاخر امام عتق باب امرأة تتهاوى امامها الرجال ، وتنعدم في حضرتها الجاذبية .
في طرفها الاخر رجل اضحى عربيدا لشهواته لا يكترثُ بشيء قدر ما يهمه صدر امرأة يلجوا اليها بعد عدة سنوات من برد قارص من اوروبا . وبعد عدة عمليات باءت بالفشل المريع ، حاول بكل ما يملك من حيلة ليجعلها تحس بمعنى الثراء وإمكانيته في تحقيق أحلامها ، حين اهدى لها مبلغاً من مال ، كترويض لروحها الرافضه لجميع المغريات ، وكي يترك عن نفسه طابع الكرم والعطاء .

0 التعليقات:
إرسال تعليق