المتابعون

‏إظهار الرسائل ذات التسميات رواية رفات السراب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات رواية رفات السراب. إظهار كافة الرسائل
الجمعة، 22 مايو 2015

رواية رفات السراب .. الفصل الثاني (ج)






   لتتصل بها مره اخرى  ، وتطلب  منها أن  تحجز باقرب تذكره لمدينة مكلا محل اقامتها ، الغريب بالامر ان لهجة اختها اوحتها بكثير من الشكوك ، خاصة وان اختها الكبيرة متزوج  وليس لديها اطفال مما يعني ان سبب طلبها لتسكن  أمرا يدعوا  لكثير من التساؤلات  .

فلم تنتظر طويلا أحلام  لترفض طلبها  متحججة  ماذا افعل  بالمكلا، وما الذي افعله بينك وبين زوجكـ  ،  فبهذه الكلمات  اعجلت بفضح نوايا اختها الكبيره  التي صرخت بوجهها قائلة وما الذي تفعلين هناك  ام انك لا تستطيعين مفارقة احضان حبيبك ؟!

سكتت  في محاولة لفهم ما الذي يجري ، فقبل عددة اسابيع  يتصل بها والدها  ، واليوم  تكشف اختها  قناعا لطالما  اخفته  ، ثم تسترجع كل ما تملك من  من قوة  لتقول لها ومن حبيبي ؟

فتقول  الكل يعلم من حبيبك ،  فلا تحاولين ان تتحامقين  ،  ما الذي يعجبك  فيه  وانتي بهذا  القدر  من الجمال والف من يتمناك ، الم تلاحظ عيناك الا هذا الفتى الذي ما زال طالبا  .

قالت  لن اجاوبكي ...   لانك لن تفهمي ما ساقوله ولكن اعلمي يقينا انني لست قادمة اليك  ، فانا اخترت  كيف اعيش حياتي فلا  تحشري انفك بما ليس لك  شان فيه ، واهتمي بزوجك ، وبحياتك ولا تنسين  انك اختي ولست موصى علي وحتى ولو كنت تكبرين عني  بسنوات  ، فحري بك الا تحاولي قطع  علاقتنا بهذه التفاهات التي لا اساس لها
  .
هكذا انتهى الحديث بتلك الليله  ، فبدات اهدي من روعها ، وان من حق اختها ان تتطمن على مستقبلها  وان تضمن لها حياة سعيده ، لم يكن لكلامي اثر  عميقا  في نفسها بل كانت شاردة  طوال  حديثي معها ، فقلت لها بصوت خافض وانا امسك بمعصميها  ما الذي يحزنك اتخافين ان بعدتي عني  الا القى طريقا يوصلني اليك  ، فلو  ذهبتي الى اخر العالم ساجد طريقا  لأوصل اليك ،  بهذه الكلمات  اخمدت براكين كاد ان تستثار  .

وفي ليلة التالية  يتصل بها ولدها  ،  لفهم  خلاف الذي دار بينها وبين اختها، ولماذا  ترفض ان تسكن مع اختها ، خاصة وانها اقرب الناس لها  ، ثم ختم كلامه قائلا  احجزي اقرب تذكره واذهبي لأختك ، ولا اريد ان اتصل بك مره اخرى  .


لم  تقتنع بكلام  والدها  ، فقد كانت ترى ان السفر والسكن مع اختها امرا غير صائب  ،  وان من دبرت وحرض والدها ليغير رايه  بعدما كان في صفها  هي  ،  وان الرضوخ   لهذا الامر هو خسرات  معركتها ضدها ، حينها تدخلت كي لا يتفاقم الامر  وتبدا مشكلة جديدة  نحن في غنى عنها ، فجلست اقنعها بان تعدل عن رايها وتذهب لاختها وان المسافة والبعد الذي يفرضه اهلها لن تفني عزيمتي بل سوف تجعلني تلك المسافه اقوى من اي وقت مضى .
السبت، 16 مايو 2015

رواية رفات السراب .... الفصل الثاني ..(ب)







احتارت كثيرا بهذا المبلغ   ، وكيف تتصرف به   ، هل تأخذه لتشتري به ما ينقصها من حاجات ، ام تتصدق عليه كحسنة تحسب في ميزان أعمالة   ، خير من ان يصرف  ماله  لترويض  فتيات بعمر حفيداته . احسست بضيق واكتئاب  حين وضعت المبلغ أمامي ، سائلاً  لها : ما هذا المبلغ  يا أحلام ؟  فردت  : هذا ما ارسله العجوز في محاولة لشراء قلبي يا زياد ، وأنا اضعه بين يديك كي تتصرف به ،  ولكي تعلم بان احساسي فيه يوما لم يخيب .


سكت ،  وبدأت تراودني بعض الشكوك والأوهام ، وهل الجميع  متآمرون ضدي ، دخلت في عالم اخر صارحاً بأفكار تعصف  بي ،     لتحط  ترحالي   بمدن لا يسكنها إلا حاقدون ، ومنافقون ، لا يسكنها سوى  رجال افنوا عمرهم في قتل البسمة في وجوه المحبين ، وكان من بين تلك الافكار والهواجس المميتة ،   كيف  وصل هذا المبلغ لأحـلام  ، وهل يمكن ان تكون  قد قبلت  منه ،   ولماذا تضعه الان امامي ،؟ و  بصوت غاضب  سألتها  لما  قبلتي منه ؟ فانفجرت ضاحكة ،  قائلة اتعتقد  حقا   اني قبلت منه ؟ّ قالت : اذا كيف أوصله لكِ  ؟ قالت :  لا يا زياد ، فانا حبيبتك ولا اريد ان تفكر بهذه الطريقه ،  لم افكر يوم ان اخطوا خطوة دون ان استشيرك شيء، فنحن تواعدنا ان نتشارك ونتقاسم الحياة  بكل حالاتها . باختصار يا زياد ،  ليس لديه الجرأة  لكي يعطيني هذا المبلغ بنفسه ، وإنما ارسلها عن طريق صرافة باسمي ، وحين ذهبت لأستلمه  اندهشت حين علمت من صاحب الصرافة اسم المرسل . قلت لها  :  أن هذا المبلغ  لا يعنيني   ،  فتصرفي فيه كما تشائين ، كان الغضب يعمي بصيرتي ، كيف لهذا العجوز الهرم ان يخطوا هذه الخطوة  الجريئة . كنت  كالضعيف في  كل مشكلة تستجدٌ ،  أو ربما شخصا قليل التجربة والخبرة  في فن ادارة الحروب العاطفية مع اناس مارسوا تلك الهواية من سنين .


ولكن كان لرونقها وتصرفها في بادئ  الامر علاجاً لكل  تلك المشاكل  بحكمه وعقلانية  متواضعة  ، و كان لتصرفه  دليل ايضا  على خبرته في تعامل مع  النساء ، وكان يدرك  ان نفوسهن ذليلات للدراهم ،  وإنهن عابدات  مطيعات ما دام تملك مفتاح يغلق ويفتح  جميع الابواب الحياة . او لعل تلك كانت بعض الامور التي اكتسبتها مؤخرا من طبيعة فهم  النساء ، فالعلاقة بينهن اشبه بعلاقة  روحانية  ، كلن يمجد الاخر بطريقة فريدة ، فالمرأة  دون المال اشبه بشجرة قاحلة قابعة في وسط الصحراء ،  لا يصل الى جوفها قطرات الماء العذب ،  اما المال  فهو تلك القطرات العذبة ، ما إن يوصل حتى تبدأ الحياة  تشرق في اغصانها ، تداعبها الرياح ، ويتخلخل ضوء الشمس الى  اطراف جذوعها  .


لكن ليس كل الماء الموجودة بالطبيعة عذب ، قد يروي عطش تلك الاشجار ، فكذلك ليس كل ذي مالاً  يهب لك حياة سعيدة . أصبحت في الاونة الاخيرة كثيرة  الشكوك  والخوف ، خصوصا بعد أن وصل حديث عشقنا الى اختها الكبيرة التي تسكن بمدينة مكلا . الغريب  في الحياة  كيف لا تكتشف إلا متأخرا  زيف الاقنعة التي يحطونها الاخرون ،  وهل من الطبيعي ان يكون لديهم  تلك الاوجه المتضاربة مع بعضها البعض ،  كي يسيروا بالحياة على مجراها الطبيعي ، ام ان حكمة هذا الجيل تقتضي بان تصاحب كلاً بوجهه حسب المصلحة  والمنفعة .

 كانت تلك  صدمة اخرى في انقشاع وجه اخر ،  لطالما  كنت اعتبره العطف والحنان ، خاصا        و انني ترعرعت امام اعينها  ، لكن  مع ذلك لم تشفع تلك السنين التي تقاسمتها معها .   لم يتوقف جوالها من الاتصال ، الكل يسألها ،  الكل يحاول جس نبضها ، وهي مستميتة على رأيها ،  لا يوجد شيء من تلك الاقاويل ، مجرد صداقة وأخوة لا غير ،  كانت تعتقد بان هذا الجواب سيردع الكثيرين عن الثرثرة ،  وستنطلي عليهم  حيلتها لقطع دابر الالسن . لكن لم تنطلي عليهم  تلك الحيلة ، بل باتت السنتهم اكثر حده  من ذي قبل ،  فبدؤوا  يشككون بطهارتها وعفتها ، وأنها  مغرمة بشاب يتلاعب بها  ليعبث بمقدسات طهارتها ،و ليغتال سمعة وشرف  اهلها الرافضين له ، ثم ليجعلهم على رحمته ،  ليقبلوا اسوء الامرين ، ان يزوجوه رغم عنهم ليستتروا ولينصروا شرفهم .  


تأزم الأمر ، حتى اتصل والدها  في الايام التالية لمعرفة  منبع تلك الشائعات والأقاويل  التي وصلته في مهجره   ، خاصة وان سعاد اتصلت عليه لتخبره بان بنته احلام  ، مدللته الصغيرة  اصبحت تلوث سمعته . كأن والد احلام شخصا اكثر انفتاحا وأكثر انسانية  بمقارنة بقية اهلها ، ببعض كلمات رنانة وبصوت انثوي ناعم جعلته في صفها ،     استمر الهدوء  لفترة معينه ، بعدما اقنعت والدها وجعلته بصفه ،   حتى عادت المشاكل من بواية اختها الكبيرة ، التي نست ما قدمته لها  اثناء مرضها  المزمن ناسية سهرة لياليها  وخذمتها طوال فترة مرضها ،   فما ان  عادت من الصومال مؤخرا ، حتى بدات المشاكل الغير منتهية .

رواية رفات السراب .... الفصل الثاني ..(أ)









الطيبة الزائد ضعف وامتهان . وقد لا تجعلك ترى الاشياء بوضوح  خاصة اذا كانت تنطبق على اقاربك هذا المقولة " الاقارب عقارب" . ادركت سمهم مؤخرا ، وان ابتسامتهم  حين اكون بقربهم ما هي إلا ابتسامة قاتلة بها طعم من سم الافاعي ، او انهم على شاكلة الحرباء التي تتلون في اليوم اكثر من لوان حسب الحاجة والاحتياج  ، كأن بوجههم اقنعة  ، لكل قناع وقت وزمان معين .

 اصبح العم محمود يتردد كثيرا الى البيت ، كثيرة الحجة والسؤال عن الاهل ، لم يكن احد من الاهل  يدرك حقيقة هذا العجوز الخبيث  وأن عيناه على مكان اخر ، يبث سمومه  ، ينشر مغرياته  كلما تسنح له الفرصة . بدا يكلمها بكل جراءة ، وانه معجب بها ، ومستعد ليتقدم لها رسميا ، ويطلبها من والدها ، وانه خلال ثلاثة اشهر سيأخذها الى السويد ،  وهناك ستحيى  كملكة  تأمر وتطاع ، وستتحقق جميع احلامها ورغباتها ، بادلته برفضً تمام ، وانه بمحل والدها  ، كيف لا  وفارق العمر بينهما  يزيد عن خمسين سنة  . في الليلة التالية وبينما كنت مستلقي على حضنها ، وعلامة الغضب واضحة على وجهها ، سالت ما الذي يحجب ضوء القمر عني ،  كيف للبدر ان يخسف في حضرتي  ويضيع ضوءه  بين السحب المتراكمة فوق بعضها البعض . لم اكن حينها ادرك خبث العجوز ومخططاته ، او بالأحرى لم اتخيل يوما عجوزا طاعن بالسن يحاول اغراء حبيبتي ، بل كنت انظر اليه كعجوز ذبل أوراقه وضعفت همته  ، كنت اقارنه بغيره من الكهول.

كهول مدينتي وكيف نظرتهم للحياة  ، لا تتعدى سوى ان يموت موتا مرضية وان يتقرب لله بكثرة الطاعات  . ربما لمفهوم العجوز في الغربة له طعم وروح اخر  ، فقد كان هذا العجوز يجدد شبابه على حساب العذارى  ، مستخدم ثروته وجواز سفره ، ثم يرميهم بعد ذلك ،   ليبحث عن ضحيته التالية .

لم اكن اعلم ان للجواز الغربي اثر في نفوس النساء ،  وان مالكي هذا الجواز مفضلون لدى بنات موطني ،  فقد كنت ارى النساء يرتمين على صدروهم ويتساقطن كما تتساقط اوراق الخريف ، ثم تأتي رياح لتأخذ هذا الاوراق بعيدة عن  موطنها الاصلي  . حينها قالت : لا يروق لي هذا العجوز ، ولا استلطفه ، في كل مرة يأتي للمنزل ويتحجج بالمطالب لكي يراني  ،  اصبحت اتحاشى نظراته وكلماته التي يرميها امامي   قلت : ربما تتعجلين في الحكم عليه ، وربما هذا مجرد اوهام . لم يكن أوهاماً  كما اعتقدتٌ    ،   وإنما  احساس المرأة  الذي لا يخيب ، فقد  كانت تدرك نظراته الشهوانية ،  وأسلوبه اللين في تعامله معها ،  كي يستدرجها  تقع في وحل المطالب ،  وتصير كخاتم تستدير على هواه  ، ليدنس من بعدها  كبريائها ، ويكسر حاجز الصمت المنيع ، ثم  تكون كما يريد  . ما لم يدركه العجوز  ، هو ان تلك المرأة  التي امامه ،  ليست متجر يرتاده  الرجال  الأثرياء ليشتروا ما يشتهون  ،   وأن قلبها  معروضا  للبيع   بمزاد علني يأخذه من يدفع الاكثر  .


أو ربما  تخيل انها   امرأة من جيل الالفية الثانية  المعاصرة    ،  قد توقع على وثيقة  مشروع  لشراكه زواج مغلوط بمنفعة من الطرفين    ،  فهي طرفا في معادلة صعبة ، كي  تصل لثرا  السريع عن طريق رجل ، بات  يضع احدى قدميه على القبر  ،  ويضع قدمه الاخر امام  عتق باب امرأة  تتهاوى امامها الرجال ، وتنعدم في حضرتها الجاذبية .

 في طرفها الاخر رجل اضحى عربيدا لشهواته  لا يكترثُ بشيء قدر ما يهمه صدر امرأة يلجوا اليها  بعد عدة  سنوات من  برد قارص من اوروبا . وبعد عدة عمليات باءت بالفشل المريع ،  حاول بكل ما يملك من حيلة ليجعلها تحس بمعنى الثراء وإمكانيته في تحقيق أحلامها  ، حين اهدى لها مبلغاً من مال ، كترويض لروحها الرافضه لجميع المغريات ، وكي يترك عن نفسه طابع الكرم والعطاء  .



رواية رفات السراب ، الفصل الاول .(ي)








هرعت – هي - الى غرفتها ، لم افهم ما اصابها ، إلا عندما عادت لتطلب مني ان ابسط يدي اليسرى ايضا، كانت تحتفظ بخاتم ارادت ان تلبسني اياه من شهور ولكن لم تتسنى لها الفرصة إلا اليوم ، ربما كانت تنتظر هذه الفرصة ، برغم ان الخاتم ليس خاتم خطوبة وليس خاتم فريد ، إلا انه يحمل في جعبته اسرار وحكايات في ذاكرة الخواتم التي زينت أصابعي .

 لم اكن اتخيل ان يكون لهذا الخاتم قصة حتى وان اختفى وبات الان يشغل مكانه خاتم اخر ، كيف لخاتم ان يحمل كل ذلك الهموم في جعبته ، وكيف للخواتم أن تحمل طابعا لتزيف الحقائق ، فقد زيف ذاك الخاتم مع السنين ، معاني كثيرة لطالما مجد صانعي الافلام ، خواتم اسطورية في عديد من الروايات ، إلا ان خاتمها لم يكن اسطوريا بروايتي .

 كرهت ذاك الخاتم بكل ما يحمل من ذكريات بيننا ، لا ادري اهو اليوم في حوزتها ام ان بقاياه عالقا في ذاكرتي ، و كيف عاد لصاحبته يوما . ******** من المؤسف ان ترى ان اقرب اعدائك هم اقربائك ، وأنهم يريدون ازاحتك عن مكانك ، فكثيرا ما كان يرون علاقتنا بنظرة احتقار وكراهية وكأنني اخذت قلوبهم .

لكن ما كانت تردده كان يلطف شرارة أعينهم " الحب لا يخلو من الحساد " ، وبتلك العبارة هدأت وخاصة حين وجدت من بريق عينيها الاصرار على التمسك بي مهما حدث ومهما وجدت عراقيل على طريقنا . في أغسطس عام 2007م ، دخل احد الكهل صراع جديا ، والمغامرة بكل ما يملك من ثروة ، فارشاً لها الورود والبساط الاحمر ، ما كان يشغل تفكيري كيف لهذا العجوز دراية وعلم بها ، برغم من حداثة وصوله للمدينة ، ام أن لأشجار والشوارع والأبنية ليس لها حديث إلا عنها ، ام ان القدر المشئوم لهذا الحب ليس له نهاية . انتهت ،،



رواية رفات السراب ، الفصل الاول (ه)











قال أذن اشتري لها عقدا اثريا أو احمل لها متحف صنعاء الدولي {3 } ، ولتختار لنفسها هديه قد ترضي غرورها ، انفجرت ضاحكا وقلت تصدق اني وجدت عقد ثمينا ولكن كان غاليا نوعا ما ، فبربك قول ولا تؤخرني ولا تزد من امري عسرا. قال ما رأيك لو تشتري لها ساعة نسائية ؟ بمجرد ان قال لي الفكرة استحسنتها وقلت في نفسي كيف لم استحضر هذه الهدية في مخيلتي ، سكرت المكالمة في وجه ، من شدة لهفتي نسيت أن اودعه وان اشكره على النصيحة .


بحث في جميع المعارض الساعات طويلا ، لم اجد ساعة نسائية استهوت قلبي ، او ربما خفت بان لا يعجبها ذوقي ، فقد كنت اتردد بالاختيار كثيرا ، وأقول لصاحب المعرض هات افضل من هذا ، فيأتي بقريب تشابها ، فاحتار بينهم ، وأيها اختار لها ، حتى ان طلبت لصاحب المعرض بان يختار لي احداهن ، وبالفعل اختار لي واحده راقت لي كثيرا .


 برغم من ان هناك فرق بين العقد والساعة إلا ان لم يكن هنالك أي فرصة لكي تلبسه ، فربما المشيئة خصصت لكي يعلق على عنق امرأة اخرى في مكان اخر ، هكذا كان نظرتي الو داعية للعقد . اشتريت بعض الهدايا لأهلي كمحاولة لحفظ ماء الوجه امامهم ، وكي لا ابدو شخصا عاشقا ، هائما ، مرهفا ، وواقعا بشباك الحب.

المضحك بالأمر كيف لشخص كثيرا الترحال لم يشتري يوما هدية لأحد ، وها هو اليوم يفهم لغة الرومانسية و الاناقة ، خاصة وان كان في الأمر ناعمة تنتظره بفارق الصبر . انتظرت كثيرا لكي اتفرد بها بزاوية بالقرب من المطبخ ، ولكن كان يسبقها المكر الأنثوي حيث قالت ارى أنك اشتريت الهدايا للجميع و انك لم تنسى احد إلا أنا ، قلت وهل يمكن ان ينسى الجسد روحه . قلت لها اغمضي عينك وهات يداكِ ، كانت الساعة مغطاة بعلبة وردية اللون ، ثم طلبت منها ان تفتح عينها ، لترى ما بين يديها ، ولكي ارى الساعة تزين معصمها ، طلبت ان تلبسه امامي على الفور .

وبالفعل كان الاختيار اللون مناسبا ، فلقد اعجبتها الساعة ، وكونها لا تجيد إلا الساعات الرقمية ، جلست طويلا وأنا اشرح لها ما تشير اليها الاسهم .



===================
 هوامش : {3 }: متحف صنعاء الدولي : المتحف الوطني في العاصمة اليمنية صنعاء يعود تاريخه إلى بداية السبعينات ويقع مقره في أمانة العاصمة بالقرب من ميدان التحرير.

رواية رفات السراب ، الفصل الاول .(و)












ألتفت يمينا وشمالا ، لأرى هل هناك شارعا يوصلني لدار حبيبتي ، لكن الشوارع لم تكن تتشابه شوارع حبي ، فقد كانت موحشا بكل ما يملكون من زينة ، حينها تذكرت كلمات محمود درويش وكأنني قد مت قبل الآن أعرف هذه الرؤيا ، وأعرف انني أمضي إلى ما لست أعرف. ربما ما زلت حياً في مكان ما ، وأعرف ما اريد سأصير يوماً ما أريد هاتفتها لعل بكلماتها قد تعيد لأهل المدينة أنسها ، لعل قد ترسل قبلات تزين هذا الشارع الموحش ، لم يكن الامر سهلا لمدينة تغزل بها كبار الادباء .

 وحضنت عبد الله البردوني {1} ان حصرها ثقافيا واجتماعيا ، قد كان الامر اشبه بقياس خصرها الذي لطالما أعتصم على تحديد قياسها ، في محاولة لقتل الملل ذهبت اتجول بالمدينة ، ابحث عن معالم تاريخية قد تجعلني اقارن بين معالمها الفتانة من جهة ومعالم تاريخية التي تحتضنها اقدم عاصمة في العالم من جهة اخرى ، لم القى ما يشبها إلا المعرض الفني ، كان مليئاً برسومات قرب لي تفاصيل اختيار ألوان الثياب التي تفضلها .

 وفي محاولة لرشوة تلك الرسومات لعلها قد تخبرني مدى العلاقة التي تربط بينهما ، إلا انني لم اجد تلك العلاقة فأخذت التقطت بعض الصور فربما يجمعنا القدر سويا مع تلك الرسومات . مع اقتراب موعد عودتي الى الغيضة {2} ذهبت الى شارع الحب "جمال " ليلاً ، وسمي بهذا الاسم ، لكثر ارتياد العاشقين هناك ، ليس في محاولة لمعرفة اسرار العشاق ، وإنما لشراء هدية ثمينة ارشي بها نحرها الذي لطالما عجز ابياتي ان تسطر لها .

 دخلت احد معارض المجوهرات ، وجلست اتصفح جميع المجوهرات التي علقت على جدرانه ، وأنا اتخيل جميعها على صدرها ، إلا ان رأيت عقدا كان الاجمل في تصويري بينهم ، سالت صاحب المعرض بكم هذا العقد ، قال 30 الف ريال يمني ما يقارب 150 $ . اخرجتٌ محفظتي ، لعلي أجد فيها هذا المبلغ الكبير ، مع انني لا احمل حتى نص هذا المبلغ ، إلا أن ما جعلني احاول فحص محفظتي لعل القدر قد يسلفني هذا المبلغ لأرد له يوما ما .

 حاولت كثيرا تجاهل ذاك العقد الفريد ، وما يلهمني من صور خيالية ، لم اكن كخالد بن طوبال حين اشترى الموسلين الأسود ليهدي لحبيبته بعد اكثر من شهرين في رواية "عابر سرير"{3} لتقول بخبث أنثوي ، لمن هذا الثواب ، اهو لصاحبة المنزل ، ولك الامر كان شتان بيني وبين خالد ، فقد كان بموسوعي ان أهدي هذا العقد لها دون ان تتهمني بخبث أنثوي وألا أنتظر الصدفة لتجمعني بها ثم اهدي لها . كنت مندهشاً من تصرفاته وهل يمكن للعشق ان ينعطف بنا لهذا المنعطف ، وهل يمكن أن نرى الاشياء التي تليق بهم دون ان يلبسوا ، ثم يأتي القدر ليجتمع ذاك العقد مع ملهمته ، لتكتب فصول رواية اخرى .

كيف لي ان احكي يوما عن عقدا تمنيت ان يعلق على عنق إمراه متدرجا ، كمتدرجات حلبة اثينا التاريخية ، وكيف لعنقها الذي يستهوي أمطار ريق شفتاي وأحاسيس يدي التي لم تجد صعوبة في تخلخل لمسامات شعرها الناعم و لطالما لم تزين عنقها إلا قبلاتي المسروقة . هكذا ودعت ذاك العقد ، وعيني قد حفظت صورته في قلبي ، ربما يوما ما التقي به بمكان اخر ثم اشتريه لانتظر اعوام اخرى قد تجمعني صدفة كما جمعت خالد بحياة في قلب باريس ليهديها ، ثوب الموسلين الاسود وهو لا يدرك ربما حياة لم تعد بنفس مقياسها قبل عدة سنوات . من يدري قد اهديها هذا العقد وعنقها قد زين الالف المجوهرات فيكون كنقطة حبر سقطت من ريش فنانا رسما يرسم لوحة لأميرة بريطانية فشوهت الصورة بتلك النقطة ، هكذا كان خوفي بان يشوه عقدي عنقها ان اختلف الوقت والزمان . 

هاتفتُ على عجلا صديقا لي يفهم اسرار النساء وقد اجاد التعامل في مثل هذا الظروف ، قلت له وقد تشعب الامر علي ، ما هي اجمل هديه اهديتها لحبيبتك وليست مكلفه ، فرد لي بأسلوب مازحا ، اهديها قلبك ، انفجرت غاضبا ، وقلت له : الذنب ذنبي لأني استشرتك . فرد علي : امزح معاك ، و نسيت ان بقاموسك المزح ممنوع ، قلت : امزح ولكن ليس هذا الوقت ، الا تعلم اني قد تهت بالمحلات وانا ابحث عن هدية لها ، وقد احترت كثيرا فيما اشتري لها كهدية . رد : بربك ، الم تجد في صنعاء هدية لحبيبتك ، احسستني يا زياد بان حبيبتك أميرة من بلاد الواق واق ، كان لحسه الفاكهي اثر كبير في تخفيف معاناتي قلت : نعم هي اميرة ، ولكن ليست من تلك البلاد ، انها اميرة من اميرات آل المعتمد .


لخبث مني في محاولة جذبه ولفت انتباهه قصة الامير المعتمد ابن عباد {4} الذي احب الجارية اعتماد الرميكية {5} حتى اسمى نفسه الملك المعتمد بالله ابن عباد .





==========================
هوامش : {1}: عبدالله البردوني : شاعر وناقد أدبي ومؤرخ يمني تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم والحديث في اليمن . {2}: الغيضة : هي عاصمة محافظة المهرة في أقصى شرق اليمن ، على حدود سلطنة عمان . {3}: رواية عابر سرير : هي ثلاثية الروائية أحلام مستغانمي بعد روايتيها ذاكرة الجسد الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي وفوضى الحواس الرواية الثانية في الثلاثية وصدرت عام 2003 للميلاد . {4} : المعتمد ابن عباد : هو ثالث وآخر ملوك بني عباد في الأندلس، وابن أبو عمر المعتضد حاكم إشبيلية، كان ملكاً لإشبيلية وقرطبة في عصر ملوك الطوائف قبل أن يقضي على إمارته المرابطون . {5}: اعتماد الرميكية :هي شاعرة أندلسية ، كانت جارية لرميك بن حجاج فنسبت إليه تزوجت المعتمد بن عباد.


رواية رفات السراب ، الفصل الاول .(د)

      













كنت متحمسا لحديثه كثيرا ، لأعلم عن ماضيها ، وعن اسرارها ، ربما بكلامه قد ترك اسى كبير بقلبي ، وأسئلة كانت تلح وتدور بمخيلتي ، لكن جواب تلك الأسئلة كان واحدا من انت فهي ليست حبيبتك ولم تصارح بحبها لك ، فلماذا كل تلك الاسى على ماضيها .


لحزن تمكن مني تلك الليلة ، حتى بدا واضحا على ملامح وجهي ، اسرعت الى مفكرتي الالكترونية لأبوح لها عما يلج بصدري من آلم ، كعادتها او كعادة قلب عاشق يبحث عن عشقه ، او كحمامة زاجله تحمل رسائل غرامية احطت بالقرب من نافذتي ، عذرا ، بل جلست بالقرب من باب غرفتي قائلةً : ما هذا البؤس الظاهر على محياك ، والحزن الذي يملا عينيك ، والنار الذي يحرق قلبك قلت : نار الكذبة التي سقيتها قلبي بنفسك ، والأوهام التي زرعتها في احشائي رغم سرعة أحداثها ، ثم التفت الى الجهاز قاصداً تجاهلها قالت : انظر الي وأنت تحدثني ، ما بك ؟ وما هي الكذبة التي سقيتها قلبك ، والأوهام التي زرعتها بأحشائك ؟ لم أستطع مجراتها ، فانفجرت بكل ما احمل به ، كطفلٍ صغيرٍ اضاع دميته ، فأسرع الى حضن امه باكيا ، وهي تواسيه ، وتقول له لا عليك ، لا عليك ، سأشتري لك احسن منها .


 لم استفق إلا بقهقهتها التي احتوت المكان ، ثم أردفت قائلا بعد سنفونية ضحك اشبه بالضحك الهستيري : ماذا ، لي ابن ، وأنا مطلقه ، بربك أنت تمازحني ؟ فتحاملت – أنا - على نفسي ، وبعد صمت فضيع قلت : نعم هكذا قيل لي وها هي نبرة صوتها الحنون الذي عهدتها منها يلطف اجواء غرفتي المكتظة بدخان البراكين الذي يخرج من فوهة قلبي ، الممزوج بتساؤل لا يكاد يبارح تفكيري ، ايعقل ان تتبرأ من طفلها الذي لم يشب بعد ، ايعقل هذا ؟ بذلك السؤال بددت سلسلة تساؤلاتي المشؤمة ، لم استطع وصف الفرحة التي غمرتني ، والبهجة التي سكنت قلبي ، وكأن ذاك اليوم كان يوم ميلادي قامت لتجلس بقربي، وتضم يديها الى يدي ، وحرارة جسدها تنفذ الى جسدي ، وتقول هامسةً : ايها العاشق الأحمق ، ألم تسأل نفسك لماذا هذه الاشاعات ، ولماذا برأيك تجد فيك أذانا صاغيه ، ايه ايها العاشق ألم تدرك أنهم لا يريدونني بقربك ، وانهم قد ادركوا عشقي لك ********** مرة شاهدت فيلما مصريا يحمل اسم " رجال بلا ملامح " ، اعتقد ان لم تخونني الذاكرة كان بالأبيض والأسود ، برغم انني لم اكمل متابعته بسبب طفل قطع متعة هذا الفيلم ، الا أنه يبرهن من الصعب أن يمر بحياتنا اشخاص لا نحتفظ بملامحهم ، وتفاصيل وجوههم ، ربما لان العلاقة التي ربطتنا بهم و عرفتنا عليهم ليست سوى علاقة عمل بالمقابل وحينما ينتهي ذلك العمل سرعان ما يختفون من حياتنا ، ربما نصادفهم بالواقع ، ولكن من الصعب ان نميزهم فجميعهم اصبحوا بهذا الزمن رجال بلا ملامح .

أصبح الكهل أيضا ينافسونني على حبها ، يترددون دائما الى البيت من اجل زراعة مشاعرهم ، او بالأحرى تقديم المغريات الحياة اللازمة لأي انثى حالمة بمستقبل واعد كهلاً بالسبعينات من العمر ، وآخرون بالأربعينات ، الكل يحاول تقديم أفضل ما لديه ، البعض اعلنها حربا علي صراحة . ليلة كأحد ليالي سمر العاشقين ، تسللنا عن انظار الاخرين ، لنلتقي بساحة حبنا ، ولكي نجدد الوفاء والعهد ونتبادل نظرات اللهفة والشوق والحنين ، في تلك اللحظة يهاتفها أحد الذين اصفهم بلا ملامح ، شخص كبير بالعمر ، ولديه زوجة وأطفال . تجاهلته كثيرا لتراعي شعوري ، ولكن ايضا كانت تريد ان تبرهن اسباب الشائعات التي خلقت ، وان رواجها كان بيد رجال ، لا يعرفون سوى لغة المادة والمغريات .

 إمراه جميلة مثلها لا تستحق ان تضيع شبابها مع شاباً في مقتبس العمر ، لا يدري من الحياة شيئاً ، هكذا كانت نظرتهم لواقعنا فجأة ومن غير سابق أوان يطلب الاهل مني أن أتجهز للسفر الى صنعاء عم الحزن على فراقها ، وتسارعت عجلة الزمن ، كانت الساعات اشبه بالثواني ، كم تمنيت ان تتوقف عقارب الساعة في تلك الليلة ، وهي واقفة أمام عتق باب غرفتي تودعني بنظراتها المليئة بالدموع دموع الأحبه ، ومدى صعوبة تقبلها ، والتخفيف عنها وحتى وان كانت هذه الدموع ذرفت لأجلك ، كم من عاشقا يتمنى ان يرى حبيبته تذرف الدموع امامه ليدرك بان ما قد حضي به ليس حبا عاديا ، وإنما هيام وشغف يمتزجان بالجنون العاقل . ذات يوم كنت اكذب مثل هذه الحالات ، كيف يمكن ان يذرف شخصاَ دموعا لأجل شخص اخـر باسم الحب ، وهل الحب اصلا شيئا ظاهريا لكي يستحق ان نؤمن به .


إن ما يربط بين المرأة والرجل ليس سوى غريزة الشهوة ، والرغبة ،وبانقطاع تلك الغريزة يذهب كلا لطريقه . ولكن سرعان ما ثبت لي القدر بان ما قد يربط بين رجل وامرأة اكبر من شهوة عابرة لساعات ، وان الحب شيئا اعظم واجلى من هذه النظرية الضيقة التفكير . وقبيل لحظات مغادرة حافلتي اتصلت بها ، لأقولها من الصعب علي تقبل ان اترك مدينة تسكنينها أنتِ ، ولكن وعد علي بأقرب وقت سأكون واقفا امام غرفتكِ إن السفر المفاجئ كان اكسير حبنا ، لأنني ولأول مرة أسمعها وهي تقول لي " أحبك ، وانتبه على نفسك " خانتني احرفي وتبرأ اللسان مني ، لم استطع ان اكون بمثل جراءتها لأفصح لها ، مع ان مشاعري اتجاهها واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء ، فهي لا تنتظر مني شيئا قدر ما ترى وتلاحظ لغة العيون افصحت ما لم يستطعه اللسان افصاحه قلت في نفسي ، كيف اتحمل بعادك ، بعد هذه العبارة ، لقد زادت معاناتي اكثر من أي وقت مضى ؟ ********** في مساء هادئ وأجواء رائعة ومع برودة تلك المدينة اصبح كل شيء موحشاً ، مع أن الاضواء تزين المكان ، وتجعلها رائعة مقارنة بغيرها من المدن ، إلا ان هناك شيء موحشا بها في نفسي . كانت عيني تدون كل شيء من حولها ، حتى تشابك اصابع العشاق المارين من امامي .

هنا الحب مقدسا بمشاعر خلابة وشاعرية ، قد يغريك الموقف لتأليف قصيدة او كتاب جميل يحمل أجمل فصول الحب ندية ، وهناك في مدينة حبيبتي الحب مقدس بطريقة وحشية ، إلا ان الشوق في كل آن يحملني اليها ، كأنني انا العاشق الوحيد ها هنا ، او غريب نزل بمدينة لا يفقه قولها او ميت عاطفيا بين احياء وأزقة تفوح منها روائح عطور المحبين .

رواية رفات السراب ، الفصل الاول .(ج)







فقد كنت اسمع نبضات قلبها ، وشهيقها وزفيرها ، ضعت وأنا اكتشف اسرار وجهها ، وتفاصيل خدودها وحدودها ، الى ان التفت نحوي ، وتقابل الوجهان ولا يفصلهما إلا حد شعرة او اقل من ذلك . قالت : وهي غاضبة وناهكه بالتعب ، تحاول اطاعة الماوس {2 } لأمرها ، تارة يهرب لليمين منها ، وتارة اخرى لليسار ، امسكت يدها والماوس معا ، وبدأت بترويضه ، لم اكن اكترث بتمرده عليها ، اكثر ما يهمني احتكاك يدي بنعومة يدها .

لم اكن خبير بالعطور النسائية ، والماركات التي تضعها ، و رذاذ العطر الذي وصل الى انفي ، وعانق بقاياه ثيابي ، بين نعومة يدها والعطر الذي يفوح منها ، وددت تقبيل رقبتها ، وضم مملكتها لعالمي الصغير .

غمرتني فرحة عامرة ، وانا اشم بقايا رذاذ العطر العالق بيدي ، والصور التي اتخيلها أمامي ثم هنالك مخاوف كثيره تبدد فرحتي ، قد نبت العشق بروحك ، ايعقل ان العشق الذي دوما كنت أتغنى به بنثري ، وتعابير قلمي ، قد اتى اليك قاطعا البحار ، ليسكن داخل اسوار قلعتك العتيقة .

وإن يكن ، وماذا بعد ؟ هكذا تفرقنا تلك الليلة ، البهجة لا تفارق مخيلتها ، قد ادرك العاشق عشيقته ، وأيقنت الحبيبة ان الحبيب غارقا وواقعا بشباك نسيجها . ************* لا يوجد في العالم فرحة تكتمل ، ولا عمل متقن الإتقان ، سرعان ما خلقت قصص وأكاذيب لتعكير صفو حياتنا. عبدا لرحمن ، شخص اتى من وراء البحار مثلها ، يفهم لغتها وأسلوبها جيدا ، أدرك قبلي لغة حبها ، فبدأ بتلك الليلة يحدثني بالقرب من دكه مسجد بقرب منزلنا ، برفقة صديق عمري حاول بكل الوسائل تشويه صورتها امامي ، مستخدما اسلوبا خطيرا ، فهو لم يفصح ذلك ابدا ولكنه قد نجحت طريقته ، وخاصة حين قال : انها فعلا امرأة بمعنى الكلمة ، الا انها مطلقة ، ولديها طفل يبلغ من العمر سبع سنين .




==========================

 هوامش : {2 }: الماوس : فأرة الكمبيوتر .

رواية رفات السراب ، الفصل الاول ...(ب)









لم يكن من السهل بين عشيقا عربي وأنثى افريقية محافظة ، تقريب المفاهيم بسهولة ، فتارة يضيع العاشق باستفزاز افريقي ، وتارة اخرى بخجل واستحياء أنثوي .

ما كان يميز أحلام عن غيرها ، أسلوبها بالحياة ، وبساطتها ، ورغم جمالها لم تكن مغرورة بنفسها ، استوقفتني نظراتها يوما ، وبدأت اتشجع للحوار معها ، وتطرقنا لمجمل احاديث لم اعهد ان اجدها في انثى لا تجيد ابجديات لغتي .


سألتني : لم انت مهتما دائما بمجالسة الكمبيوتر؟ قلت : هو الشيء الوحيد الذي يحتوي افكاري ، ولا يفهم كلماتي خطا ، لم تدرك حينها ما كنت ارمز اليه ، ثم تلى ذلك سؤال اخر منها اكد لي بأنها لم تعي ما اعنيته حين قالت : ألا تخشى على بصرك ؟ قلت : ما الضير ان كان القلب من يبصر الحقيقة ، ويميز الاخرين ، وها أنا اتكلم عن واقعي دون توقف ، وهي شاخصة بصرها نحوي كأن عينيها تقولان : لقد اكتفيت ، تمهل ، لم اعد اجاريك يا سيدي ، ثم سكتُ دهر وبدأت انتقد نفسي ، من تظنها ، اتعتقد انها نازكه الملائكة (1) ادركت حيرتي ، فضحكت ، ثم صمت .

 ولكي تخفف عن معاناتي ، طلبت مني ان اعلمها كيفية استخدام هذا الكمبيوتر . اتذكر تلك الليلة ، وزاوية جلوسها ، وحتى الثوب التي كانت تلبسه ، ربما لم يكن الجو رومانسي ، إلا انه يحمل طابعا خلابة ، برغم السنين التي مرت ، ورٌفات الســرابالباقية على ذاكـ المكـان . كانت رغبتي ورهبتي تسبقانني في فضحي فيما اريد قولة ، حينها كنت اردد شفوي : الصمت في حرم الجمال جمال ، كلماتنا تقتل حبنا ، ان الحروف تموت حين تقال . قمت من الكرسي ، لتجلس عليه ، واتكأت على طرفي الكرسي ، وأناملي تلامس كتفيها الناعمتان ، وطلبت منها ان تمسك فارة الماوس ، كان وجهها اقرب الي من ذي قبل .




===========================
هوامش : {1}: نازكه الملائكة : شاعرة عراقية ، يعتقد أنها أول من كتبت الشعر الحر في عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي .

رواية رفات السراب ، الفصل الاول ..(أ)








كنا كالصغار الذين يلهون بالحب ، ويطيل بنا اللعب لأخر الليل ، ويبدو انها لم تمارس طقوس الحب من قبل ، فقد كانت تبحث دوما عن مفرداتها ، لا هفت الي كلما سنحت لها الفرصة .

وكحالة مبتدئ بأمر ما ، لا يخلوا من الاخطاء الجسيمة ، اعجبني مقولة قالها البرت اينشتاين(1): اذا كان ( أ ) هو النجاح في الحياة , فإن ( أ ) يساوي مجموع (س) و (ص) و (ع) . الشغل (س) واللعب (ص) اما (ع) فهو ان تبقي فمك مغلقاً “وهكذا لم نطبق القاعدة (ع ( ، وسرعان ما انتشرت قصتنا بين ارجاء المدينة ، وكوني اقدس الحب ، فقد أدمنته دون خوفا ، اتلوا ابجدياته ، واسطر بطولاته ، وكانت تستمتع كثيرا كلما نظرت الي وأنا جالس اداعب وجنتيها ، وأخاصم الاحرف العنيدة لأكتب لها كلمات جديدة ، ولكونها لا تفهم ابجديات التي اكتبها ، كان اشبه بهذا الحب بين اديبا فرنسيا عاشقا لغجرية إسبانية ، كأن يصعب شرح لمقتطفات الاسطر البديعية ، والمحسنات اللغوية ، فقد كان يضيع جمال الاحرف في محاولة تقريب الوجهة بين الثقافتين .

التاسعة إلا الربع ، كان ميلاد الصدفة التي جمعتنا ، وبداية رواية لطالما عصيت علي كتابتها ان تلك المرأة تفتقر لأشياء كثيرة ، ولكن كانت تجـيد خـارطة مشاعري فلقد عزفت منذ اول نظرة بيننا على اوتار نغماتي ، وملات جوفي عذوبة احرف كان ينتظر ملهمة تبتكر ويجعلها قيد الانشاء .

هكذا بدأت روايتي ، بل منصة إعدامي على يديها اخفيت مشاعري لعدة ايام ، وكنت استرق النظرات بين كل وهلة ، وكانت تستمد كبريائها من التفات الاخرين من حولها ، فأحيان كانت تعبر عن مدى اعجابها بابتسامات عريضة ، كبرقية يوصلها تغرها الباسم ، اول بعقد الحاجبين في محاولة لبث الذعر في مشاعري ، آه كم كان صوت فيروز (2) يطربني حين اذكر حواجبها وأقول " ياعاقد الحاجبين ان كنت تقصد قتلي ،، قتلتني مرتين








============================
 " هوامش : [1 ]: ألبرت أينشتاين : ألماني أمريكي الجنسية، أحد أهم العلماء في الفيزياء يشتهر بأبو النسبية كونه واضع النظرية النسبية [2 ] : فيروز : مغنية لبنانية اسمها الحقيقي نهاد رزق وديع حداد قدمت مع زوجها الراحل عاصي الرحباني العديد من الأغاني والأوبريهات التي لاقت رواجاً واسعاً في العالم العربي والعديد من دول العالم .