المتابعون

السبت، 16 مايو 2015

رواية رفات السراب .... الفصل الثاني ..(ب)







احتارت كثيرا بهذا المبلغ   ، وكيف تتصرف به   ، هل تأخذه لتشتري به ما ينقصها من حاجات ، ام تتصدق عليه كحسنة تحسب في ميزان أعمالة   ، خير من ان يصرف  ماله  لترويض  فتيات بعمر حفيداته . احسست بضيق واكتئاب  حين وضعت المبلغ أمامي ، سائلاً  لها : ما هذا المبلغ  يا أحلام ؟  فردت  : هذا ما ارسله العجوز في محاولة لشراء قلبي يا زياد ، وأنا اضعه بين يديك كي تتصرف به ،  ولكي تعلم بان احساسي فيه يوما لم يخيب .


سكت ،  وبدأت تراودني بعض الشكوك والأوهام ، وهل الجميع  متآمرون ضدي ، دخلت في عالم اخر صارحاً بأفكار تعصف  بي ،     لتحط  ترحالي   بمدن لا يسكنها إلا حاقدون ، ومنافقون ، لا يسكنها سوى  رجال افنوا عمرهم في قتل البسمة في وجوه المحبين ، وكان من بين تلك الافكار والهواجس المميتة ،   كيف  وصل هذا المبلغ لأحـلام  ، وهل يمكن ان تكون  قد قبلت  منه ،   ولماذا تضعه الان امامي ،؟ و  بصوت غاضب  سألتها  لما  قبلتي منه ؟ فانفجرت ضاحكة ،  قائلة اتعتقد  حقا   اني قبلت منه ؟ّ قالت : اذا كيف أوصله لكِ  ؟ قالت :  لا يا زياد ، فانا حبيبتك ولا اريد ان تفكر بهذه الطريقه ،  لم افكر يوم ان اخطوا خطوة دون ان استشيرك شيء، فنحن تواعدنا ان نتشارك ونتقاسم الحياة  بكل حالاتها . باختصار يا زياد ،  ليس لديه الجرأة  لكي يعطيني هذا المبلغ بنفسه ، وإنما ارسلها عن طريق صرافة باسمي ، وحين ذهبت لأستلمه  اندهشت حين علمت من صاحب الصرافة اسم المرسل . قلت لها  :  أن هذا المبلغ  لا يعنيني   ،  فتصرفي فيه كما تشائين ، كان الغضب يعمي بصيرتي ، كيف لهذا العجوز الهرم ان يخطوا هذه الخطوة  الجريئة . كنت  كالضعيف في  كل مشكلة تستجدٌ ،  أو ربما شخصا قليل التجربة والخبرة  في فن ادارة الحروب العاطفية مع اناس مارسوا تلك الهواية من سنين .


ولكن كان لرونقها وتصرفها في بادئ  الامر علاجاً لكل  تلك المشاكل  بحكمه وعقلانية  متواضعة  ، و كان لتصرفه  دليل ايضا  على خبرته في تعامل مع  النساء ، وكان يدرك  ان نفوسهن ذليلات للدراهم ،  وإنهن عابدات  مطيعات ما دام تملك مفتاح يغلق ويفتح  جميع الابواب الحياة . او لعل تلك كانت بعض الامور التي اكتسبتها مؤخرا من طبيعة فهم  النساء ، فالعلاقة بينهن اشبه بعلاقة  روحانية  ، كلن يمجد الاخر بطريقة فريدة ، فالمرأة  دون المال اشبه بشجرة قاحلة قابعة في وسط الصحراء ،  لا يصل الى جوفها قطرات الماء العذب ،  اما المال  فهو تلك القطرات العذبة ، ما إن يوصل حتى تبدأ الحياة  تشرق في اغصانها ، تداعبها الرياح ، ويتخلخل ضوء الشمس الى  اطراف جذوعها  .


لكن ليس كل الماء الموجودة بالطبيعة عذب ، قد يروي عطش تلك الاشجار ، فكذلك ليس كل ذي مالاً  يهب لك حياة سعيدة . أصبحت في الاونة الاخيرة كثيرة  الشكوك  والخوف ، خصوصا بعد أن وصل حديث عشقنا الى اختها الكبيرة التي تسكن بمدينة مكلا . الغريب  في الحياة  كيف لا تكتشف إلا متأخرا  زيف الاقنعة التي يحطونها الاخرون ،  وهل من الطبيعي ان يكون لديهم  تلك الاوجه المتضاربة مع بعضها البعض ،  كي يسيروا بالحياة على مجراها الطبيعي ، ام ان حكمة هذا الجيل تقتضي بان تصاحب كلاً بوجهه حسب المصلحة  والمنفعة .

 كانت تلك  صدمة اخرى في انقشاع وجه اخر ،  لطالما  كنت اعتبره العطف والحنان ، خاصا        و انني ترعرعت امام اعينها  ، لكن  مع ذلك لم تشفع تلك السنين التي تقاسمتها معها .   لم يتوقف جوالها من الاتصال ، الكل يسألها ،  الكل يحاول جس نبضها ، وهي مستميتة على رأيها ،  لا يوجد شيء من تلك الاقاويل ، مجرد صداقة وأخوة لا غير ،  كانت تعتقد بان هذا الجواب سيردع الكثيرين عن الثرثرة ،  وستنطلي عليهم  حيلتها لقطع دابر الالسن . لكن لم تنطلي عليهم  تلك الحيلة ، بل باتت السنتهم اكثر حده  من ذي قبل ،  فبدؤوا  يشككون بطهارتها وعفتها ، وأنها  مغرمة بشاب يتلاعب بها  ليعبث بمقدسات طهارتها ،و ليغتال سمعة وشرف  اهلها الرافضين له ، ثم ليجعلهم على رحمته ،  ليقبلوا اسوء الامرين ، ان يزوجوه رغم عنهم ليستتروا ولينصروا شرفهم .  


تأزم الأمر ، حتى اتصل والدها  في الايام التالية لمعرفة  منبع تلك الشائعات والأقاويل  التي وصلته في مهجره   ، خاصة وان سعاد اتصلت عليه لتخبره بان بنته احلام  ، مدللته الصغيرة  اصبحت تلوث سمعته . كأن والد احلام شخصا اكثر انفتاحا وأكثر انسانية  بمقارنة بقية اهلها ، ببعض كلمات رنانة وبصوت انثوي ناعم جعلته في صفها ،     استمر الهدوء  لفترة معينه ، بعدما اقنعت والدها وجعلته بصفه ،   حتى عادت المشاكل من بواية اختها الكبيرة ، التي نست ما قدمته لها  اثناء مرضها  المزمن ناسية سهرة لياليها  وخذمتها طوال فترة مرضها ،   فما ان  عادت من الصومال مؤخرا ، حتى بدات المشاكل الغير منتهية .

0 التعليقات:

إرسال تعليق