كنت متحمسا لحديثه كثيرا ، لأعلم عن ماضيها ، وعن اسرارها ، ربما بكلامه قد ترك اسى كبير بقلبي ، وأسئلة كانت تلح وتدور بمخيلتي ، لكن جواب تلك الأسئلة كان واحدا من انت فهي ليست حبيبتك ولم تصارح بحبها لك ، فلماذا كل تلك الاسى على ماضيها .
لحزن تمكن مني تلك الليلة ، حتى بدا واضحا على ملامح وجهي ، اسرعت الى مفكرتي الالكترونية لأبوح لها عما يلج بصدري من آلم ، كعادتها او كعادة قلب عاشق يبحث عن عشقه ، او كحمامة زاجله تحمل رسائل غرامية احطت بالقرب من نافذتي ، عذرا ، بل جلست بالقرب من باب غرفتي قائلةً : ما هذا البؤس الظاهر على محياك ، والحزن الذي يملا عينيك ، والنار الذي يحرق قلبك قلت : نار الكذبة التي سقيتها قلبي بنفسك ، والأوهام التي زرعتها في احشائي رغم سرعة أحداثها ، ثم التفت الى الجهاز قاصداً تجاهلها قالت : انظر الي وأنت تحدثني ، ما بك ؟ وما هي الكذبة التي سقيتها قلبك ، والأوهام التي زرعتها بأحشائك ؟ لم أستطع مجراتها ، فانفجرت بكل ما احمل به ، كطفلٍ صغيرٍ اضاع دميته ، فأسرع الى حضن امه باكيا ، وهي تواسيه ، وتقول له لا عليك ، لا عليك ، سأشتري لك احسن منها .
لم استفق إلا بقهقهتها التي احتوت المكان ، ثم أردفت قائلا بعد سنفونية ضحك اشبه بالضحك الهستيري : ماذا ، لي ابن ، وأنا مطلقه ، بربك أنت تمازحني ؟ فتحاملت – أنا - على نفسي ، وبعد صمت فضيع قلت : نعم هكذا قيل لي وها هي نبرة صوتها الحنون الذي عهدتها منها يلطف اجواء غرفتي المكتظة بدخان البراكين الذي يخرج من فوهة قلبي ، الممزوج بتساؤل لا يكاد يبارح تفكيري ، ايعقل ان تتبرأ من طفلها الذي لم يشب بعد ، ايعقل هذا ؟ بذلك السؤال بددت سلسلة تساؤلاتي المشؤمة ، لم استطع وصف الفرحة التي غمرتني ، والبهجة التي سكنت قلبي ، وكأن ذاك اليوم كان يوم ميلادي قامت لتجلس بقربي، وتضم يديها الى يدي ، وحرارة جسدها تنفذ الى جسدي ، وتقول هامسةً : ايها العاشق الأحمق ، ألم تسأل نفسك لماذا هذه الاشاعات ، ولماذا برأيك تجد فيك أذانا صاغيه ، ايه ايها العاشق ألم تدرك أنهم لا يريدونني بقربك ، وانهم قد ادركوا عشقي لك ********** مرة شاهدت فيلما مصريا يحمل اسم " رجال بلا ملامح " ، اعتقد ان لم تخونني الذاكرة كان بالأبيض والأسود ، برغم انني لم اكمل متابعته بسبب طفل قطع متعة هذا الفيلم ، الا أنه يبرهن من الصعب أن يمر بحياتنا اشخاص لا نحتفظ بملامحهم ، وتفاصيل وجوههم ، ربما لان العلاقة التي ربطتنا بهم و عرفتنا عليهم ليست سوى علاقة عمل بالمقابل وحينما ينتهي ذلك العمل سرعان ما يختفون من حياتنا ، ربما نصادفهم بالواقع ، ولكن من الصعب ان نميزهم فجميعهم اصبحوا بهذا الزمن رجال بلا ملامح .
أصبح الكهل أيضا ينافسونني على حبها ، يترددون دائما الى البيت من اجل زراعة مشاعرهم ، او بالأحرى تقديم المغريات الحياة اللازمة لأي انثى حالمة بمستقبل واعد كهلاً بالسبعينات من العمر ، وآخرون بالأربعينات ، الكل يحاول تقديم أفضل ما لديه ، البعض اعلنها حربا علي صراحة . ليلة كأحد ليالي سمر العاشقين ، تسللنا عن انظار الاخرين ، لنلتقي بساحة حبنا ، ولكي نجدد الوفاء والعهد ونتبادل نظرات اللهفة والشوق والحنين ، في تلك اللحظة يهاتفها أحد الذين اصفهم بلا ملامح ، شخص كبير بالعمر ، ولديه زوجة وأطفال . تجاهلته كثيرا لتراعي شعوري ، ولكن ايضا كانت تريد ان تبرهن اسباب الشائعات التي خلقت ، وان رواجها كان بيد رجال ، لا يعرفون سوى لغة المادة والمغريات .
إمراه جميلة مثلها لا تستحق ان تضيع شبابها مع شاباً في مقتبس العمر ، لا يدري من الحياة شيئاً ، هكذا كانت نظرتهم لواقعنا فجأة ومن غير سابق أوان يطلب الاهل مني أن أتجهز للسفر الى صنعاء عم الحزن على فراقها ، وتسارعت عجلة الزمن ، كانت الساعات اشبه بالثواني ، كم تمنيت ان تتوقف عقارب الساعة في تلك الليلة ، وهي واقفة أمام عتق باب غرفتي تودعني بنظراتها المليئة بالدموع دموع الأحبه ، ومدى صعوبة تقبلها ، والتخفيف عنها وحتى وان كانت هذه الدموع ذرفت لأجلك ، كم من عاشقا يتمنى ان يرى حبيبته تذرف الدموع امامه ليدرك بان ما قد حضي به ليس حبا عاديا ، وإنما هيام وشغف يمتزجان بالجنون العاقل . ذات يوم كنت اكذب مثل هذه الحالات ، كيف يمكن ان يذرف شخصاَ دموعا لأجل شخص اخـر باسم الحب ، وهل الحب اصلا شيئا ظاهريا لكي يستحق ان نؤمن به .
إن ما يربط بين المرأة والرجل ليس سوى غريزة الشهوة ، والرغبة ،وبانقطاع تلك الغريزة يذهب كلا لطريقه . ولكن سرعان ما ثبت لي القدر بان ما قد يربط بين رجل وامرأة اكبر من شهوة عابرة لساعات ، وان الحب شيئا اعظم واجلى من هذه النظرية الضيقة التفكير . وقبيل لحظات مغادرة حافلتي اتصلت بها ، لأقولها من الصعب علي تقبل ان اترك مدينة تسكنينها أنتِ ، ولكن وعد علي بأقرب وقت سأكون واقفا امام غرفتكِ إن السفر المفاجئ كان اكسير حبنا ، لأنني ولأول مرة أسمعها وهي تقول لي " أحبك ، وانتبه على نفسك " خانتني احرفي وتبرأ اللسان مني ، لم استطع ان اكون بمثل جراءتها لأفصح لها ، مع ان مشاعري اتجاهها واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء ، فهي لا تنتظر مني شيئا قدر ما ترى وتلاحظ لغة العيون افصحت ما لم يستطعه اللسان افصاحه قلت في نفسي ، كيف اتحمل بعادك ، بعد هذه العبارة ، لقد زادت معاناتي اكثر من أي وقت مضى ؟ ********** في مساء هادئ وأجواء رائعة ومع برودة تلك المدينة اصبح كل شيء موحشاً ، مع أن الاضواء تزين المكان ، وتجعلها رائعة مقارنة بغيرها من المدن ، إلا ان هناك شيء موحشا بها في نفسي . كانت عيني تدون كل شيء من حولها ، حتى تشابك اصابع العشاق المارين من امامي .
هنا الحب مقدسا بمشاعر خلابة وشاعرية ، قد يغريك الموقف لتأليف قصيدة او كتاب جميل يحمل أجمل فصول الحب ندية ، وهناك في مدينة حبيبتي الحب مقدس بطريقة وحشية ، إلا ان الشوق في كل آن يحملني اليها ، كأنني انا العاشق الوحيد ها هنا ، او غريب نزل بمدينة لا يفقه قولها او ميت عاطفيا بين احياء وأزقة تفوح منها روائح عطور المحبين .
0 التعليقات:
إرسال تعليق