المتابعون

السبت، 16 مايو 2015

رواية رفات السراب ، الفصل الاول .(و)












ألتفت يمينا وشمالا ، لأرى هل هناك شارعا يوصلني لدار حبيبتي ، لكن الشوارع لم تكن تتشابه شوارع حبي ، فقد كانت موحشا بكل ما يملكون من زينة ، حينها تذكرت كلمات محمود درويش وكأنني قد مت قبل الآن أعرف هذه الرؤيا ، وأعرف انني أمضي إلى ما لست أعرف. ربما ما زلت حياً في مكان ما ، وأعرف ما اريد سأصير يوماً ما أريد هاتفتها لعل بكلماتها قد تعيد لأهل المدينة أنسها ، لعل قد ترسل قبلات تزين هذا الشارع الموحش ، لم يكن الامر سهلا لمدينة تغزل بها كبار الادباء .

 وحضنت عبد الله البردوني {1} ان حصرها ثقافيا واجتماعيا ، قد كان الامر اشبه بقياس خصرها الذي لطالما أعتصم على تحديد قياسها ، في محاولة لقتل الملل ذهبت اتجول بالمدينة ، ابحث عن معالم تاريخية قد تجعلني اقارن بين معالمها الفتانة من جهة ومعالم تاريخية التي تحتضنها اقدم عاصمة في العالم من جهة اخرى ، لم القى ما يشبها إلا المعرض الفني ، كان مليئاً برسومات قرب لي تفاصيل اختيار ألوان الثياب التي تفضلها .

 وفي محاولة لرشوة تلك الرسومات لعلها قد تخبرني مدى العلاقة التي تربط بينهما ، إلا انني لم اجد تلك العلاقة فأخذت التقطت بعض الصور فربما يجمعنا القدر سويا مع تلك الرسومات . مع اقتراب موعد عودتي الى الغيضة {2} ذهبت الى شارع الحب "جمال " ليلاً ، وسمي بهذا الاسم ، لكثر ارتياد العاشقين هناك ، ليس في محاولة لمعرفة اسرار العشاق ، وإنما لشراء هدية ثمينة ارشي بها نحرها الذي لطالما عجز ابياتي ان تسطر لها .

 دخلت احد معارض المجوهرات ، وجلست اتصفح جميع المجوهرات التي علقت على جدرانه ، وأنا اتخيل جميعها على صدرها ، إلا ان رأيت عقدا كان الاجمل في تصويري بينهم ، سالت صاحب المعرض بكم هذا العقد ، قال 30 الف ريال يمني ما يقارب 150 $ . اخرجتٌ محفظتي ، لعلي أجد فيها هذا المبلغ الكبير ، مع انني لا احمل حتى نص هذا المبلغ ، إلا أن ما جعلني احاول فحص محفظتي لعل القدر قد يسلفني هذا المبلغ لأرد له يوما ما .

 حاولت كثيرا تجاهل ذاك العقد الفريد ، وما يلهمني من صور خيالية ، لم اكن كخالد بن طوبال حين اشترى الموسلين الأسود ليهدي لحبيبته بعد اكثر من شهرين في رواية "عابر سرير"{3} لتقول بخبث أنثوي ، لمن هذا الثواب ، اهو لصاحبة المنزل ، ولك الامر كان شتان بيني وبين خالد ، فقد كان بموسوعي ان أهدي هذا العقد لها دون ان تتهمني بخبث أنثوي وألا أنتظر الصدفة لتجمعني بها ثم اهدي لها . كنت مندهشاً من تصرفاته وهل يمكن للعشق ان ينعطف بنا لهذا المنعطف ، وهل يمكن أن نرى الاشياء التي تليق بهم دون ان يلبسوا ، ثم يأتي القدر ليجتمع ذاك العقد مع ملهمته ، لتكتب فصول رواية اخرى .

كيف لي ان احكي يوما عن عقدا تمنيت ان يعلق على عنق إمراه متدرجا ، كمتدرجات حلبة اثينا التاريخية ، وكيف لعنقها الذي يستهوي أمطار ريق شفتاي وأحاسيس يدي التي لم تجد صعوبة في تخلخل لمسامات شعرها الناعم و لطالما لم تزين عنقها إلا قبلاتي المسروقة . هكذا ودعت ذاك العقد ، وعيني قد حفظت صورته في قلبي ، ربما يوما ما التقي به بمكان اخر ثم اشتريه لانتظر اعوام اخرى قد تجمعني صدفة كما جمعت خالد بحياة في قلب باريس ليهديها ، ثوب الموسلين الاسود وهو لا يدرك ربما حياة لم تعد بنفس مقياسها قبل عدة سنوات . من يدري قد اهديها هذا العقد وعنقها قد زين الالف المجوهرات فيكون كنقطة حبر سقطت من ريش فنانا رسما يرسم لوحة لأميرة بريطانية فشوهت الصورة بتلك النقطة ، هكذا كان خوفي بان يشوه عقدي عنقها ان اختلف الوقت والزمان . 

هاتفتُ على عجلا صديقا لي يفهم اسرار النساء وقد اجاد التعامل في مثل هذا الظروف ، قلت له وقد تشعب الامر علي ، ما هي اجمل هديه اهديتها لحبيبتك وليست مكلفه ، فرد لي بأسلوب مازحا ، اهديها قلبك ، انفجرت غاضبا ، وقلت له : الذنب ذنبي لأني استشرتك . فرد علي : امزح معاك ، و نسيت ان بقاموسك المزح ممنوع ، قلت : امزح ولكن ليس هذا الوقت ، الا تعلم اني قد تهت بالمحلات وانا ابحث عن هدية لها ، وقد احترت كثيرا فيما اشتري لها كهدية . رد : بربك ، الم تجد في صنعاء هدية لحبيبتك ، احسستني يا زياد بان حبيبتك أميرة من بلاد الواق واق ، كان لحسه الفاكهي اثر كبير في تخفيف معاناتي قلت : نعم هي اميرة ، ولكن ليست من تلك البلاد ، انها اميرة من اميرات آل المعتمد .


لخبث مني في محاولة جذبه ولفت انتباهه قصة الامير المعتمد ابن عباد {4} الذي احب الجارية اعتماد الرميكية {5} حتى اسمى نفسه الملك المعتمد بالله ابن عباد .





==========================
هوامش : {1}: عبدالله البردوني : شاعر وناقد أدبي ومؤرخ يمني تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم والحديث في اليمن . {2}: الغيضة : هي عاصمة محافظة المهرة في أقصى شرق اليمن ، على حدود سلطنة عمان . {3}: رواية عابر سرير : هي ثلاثية الروائية أحلام مستغانمي بعد روايتيها ذاكرة الجسد الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي وفوضى الحواس الرواية الثانية في الثلاثية وصدرت عام 2003 للميلاد . {4} : المعتمد ابن عباد : هو ثالث وآخر ملوك بني عباد في الأندلس، وابن أبو عمر المعتضد حاكم إشبيلية، كان ملكاً لإشبيلية وقرطبة في عصر ملوك الطوائف قبل أن يقضي على إمارته المرابطون . {5}: اعتماد الرميكية :هي شاعرة أندلسية ، كانت جارية لرميك بن حجاج فنسبت إليه تزوجت المعتمد بن عباد.


0 التعليقات:

إرسال تعليق